السبت، ٩ يونيو ٢٠٠٧

الحب والتنمية


الى رندا حاتم…. نبض لبلاد بعيدة!

زخ أول....
تهجس بى المسئولية منذ ان فرهدت فى داخلى غصون شجية غرسها صغار يدندنون بالامل.. نظراتهم التائهة تبحث عن آمان مفقود وأمنيات تخنقها سطوة الفقر واليأس. قضايا عديدة تصيبينى بحالة من حالات الشوق الانسانى لتدوين تجارب تصب فى بحر الحب، تجارب تنموية قمت بتنسيقها مابين مدارس اليونسكو بفيينا وبعض منظمات المجتمع المدنى بالسودان.. تجارب فتحت طاقات انسانية كامنة، انهار من فعل المحبة الذى يجهش باحلام التغيير، التغيير على مستوى محلى وعالمى، تغيير يفتح مدارك النقد ومواجهة الذات وربطها فى مشنقة المسئولية الجسيمة نتحسس بعدها شهقة حلم بعيد سطع فى عيون صغار ماعرفوا يوما قيمة ان يعيشوا الحياة....
عانيت كثيرا فى مكابدة التوثيق لهذه التجارب وعكسها، الايجابى منها والسلبى، ماتعلمته من تلاميذ وتلميذات ، طلبة وطالبات قمت بتدريسهم لسنوات طويلة يجعلوننى اتحسس روح أمومتى، وافتح عقلى لاحلامهم/ن وطريقة تفكيرهم/ن. عانيت لان الكتابة تحتاج الى مزاج وطقس متوازن، تأجلت كثيرا كسحابة مخنوقة ومحاصرة بغضب السماء، وظلت معلقة فى انتظار سهم يصيب زخاتها لتهطل، سهم انسانى يفجر هذه الطاقة الكامنه.
ظليت أحمل هذه الفكرة ينبض بها قلبى كلما لمحت بريق أمل ولو لتغيير طفيف، كلما برقت فكرة نضرة تحركها طاقة انسانية تحسسنى بان هناك ثمة نشيد مشترك تتلوه اصوات متناغمة يربطها هم نبيل وحلم ثابت وايمان لا يتزحزح.
حاولت النهوض حال سماعى لانشودة إمرأة فيها بعض منى. ان بذرة الحياة التى غرسها ابى فى رحم أمى اقتسمتها يد ملاك خفية، وضعتها فى بطن دافئة وآمنة، فخرجنا للدنيا فى ازمان مختلفة ولكن انتمينا الى نهر المحبة، التقيتها عنده تحمل احلامها النبيلة، إتأمنت عليها رمال ذلك الساحل حيث التقينا، وجدتها ترش بعض من نبيذ روحها على امنيات خافت عليها الجفاف فوارتها طمى النهر. كنت حينها على الضفة الأخرى أعانى مغص فى الروح، كنت احتاج الى طاقة خارقة تهز سكون اشجار الفعل فى قلبى، رفعت حلمى شاهقا وندهتها.... يا بنية .... فيك منى حلم وقضية....
رندا حاتم.....
لاتختلفين يا صديقة عن ادورا لورد، الافرو أمريكية...تلك التى دفقت نبضها فى عقلى...
فكلما فاجأنى البيات الشتوى وخمدت طاقة الفعل النشيد عندى الجأ لها... أكاديمية وباحثة، وكان لابد ان اقدم شاعريتها على اكاديميتها، قتلها السرطان اللعين ولكنها بقيت، طاقة خلاقة وإرث عظيم حافل بتاريخ قضية السود فى العالم، قضايا السلطة وقسمتها. أدورا تجعلنى أجهش بحركة قلقة لفعل يهطل فى يباب العمر فتزهر سنواته العجاف...
.لاتختلفين عنها.... فقد أخرجتينى من حالات بياتى الشتوى الذى لم يراعى تداخل الفصول. قرأتها من جديد، حفزتنى ان انهض وان احول كل الطاقات السالبة الى فعل. إنها كنز معرفى وثورة لاتهمد.
الاستسلام طاقة سالبة
وكذلك الحزن رغم نبله واحتياجنا له
الغضب طاقة
كما الحب
كما القلب حين يفرهد بالغنا
كما الانهيار
عند ذاك النهر يا ابنة امى رندا.... نفضت عن كراريس قلبى الغبار وبحثت عن رفيقى، كان قد هجرنى فى اماسى وليالى بارده احتجت دفئه كثيرا، فلاشىء يدفء الروح ويصيبيها بالانتشاء سوى الرفيق القلم! كان هذه المره على غير العادة فرسا جامحا غلبنى ان الجم همزة الوصل فى عينيه، قاومنى ولم الين، ويعرفنى حين تنهمر اشواقى للفعل الانسانى فلا يلجمنى الا الرحمن الرحيم هادم اللذات ومحىّ الاوراح عند ذاك النهر العظيم.
شكرا لك وانت تهجسيين بالفعل النبيل
وتشرق روحك شاهقة كاحلام النساء العظيمات
تحركك طاقة الحب... الحب الذى يحرك اوردة الخير فينا
نفضت عن آخر سطر كانت قد توقفت عنده روحى بعد ان دلقت آخرة قطرة بنزين فيها، كنت احتاج فعلا الى شعاع قوى يشعل رغبتى فى تدوين بعض التجارب التنموية التى ارى انها جديرة بالتوثيق، منحتها اسما قد يترك كثير من التساؤلات، { الحب والتنمية}، فكل مايحركنا الى فعل مثمر وايجابى يكون محركه الحب، انها السطوة الوحيدة التى تجعل كل الاحلام ممكنة.
ليست بى اى حالة من حالات النزوع الى الطوباوية، ولست أكاديمية {ناشف عضم منهجى}، فالعلم لايسوى جناح باعوضة ان لم يتحول الى فعل، ان لم تحركة نزعة الحب للتغيير ان لم يفرش الارض بخضاره وثماره.
{ الحب والتنمية} كتابة توثيقية اطرح فيها تجارب حملت فى بزورها روح التحدى، لم تلين شوكتها امام ريح الانكسار والاحباطات، ادونها كما عشتها، وكيف تفرهد الفكرة فى دمك وتشب شجرا تحرقه اسئلة هويتنا الانسانية وتحديد مواقعنا من الصراع الدائر فى العالم. الخروج من نفق الذات المحصورة بين قوس القبيلة وشولة نفى الآخر. لا ارغب ان يكون توثيقا علميا { ناشفا} بل ادلقة بناره ، انهاره، عواصفه، صقيعه، بكل لحظات الضعف والانكسار حين تتعطل احدى المشاريع فى منتصف صلف
{ المركزية الاوربية} وتغيير المصطلحات والمفاهيم، وكيف تحول مفهومهم من فكرة {نحن} نساعد {كم} الى مضمون التعاون، نعم التعاون الانسانى المتساوى، فهم يضيفون لنا ونضيف لهم ايضا من تجاربنا، الصراع ان تغرسى نبته الاعتراف فى جيل جديد بان افريقيا ليست فقيرة انما تم افقارها،
وإننا نحتاج الى كتابة تاريخنا بشكل مختلف نتجاوز من خلاله جراحات اللون، النوع، الدين، الاصل التوجه السياسى.وغيرها..... تجارب فيها نقد ذاتى لمحاولاتى الاولى وانا أغمض عيونى عن عيوبنا و {مناكفة} الآخر باعتباره مسئولا عنما يحدث فى بلادنا....
كيف اضاف هؤلاء { الوليدات والبنيات} الصغار فى النمسا الى تجربتى واثروها برؤيتهم/ن وساعدونى ان انظر الى ذاتى وان انتبه الى { عنصريتنا} التى نرفض الاعتراف بها، عنصرية تنتج كردة فعل لان العنصرية هى سلطة، سلطة من يملك ضد من لايملك.
تجارب فتحت آفاقى وكأنى صبية تتلمس طريقها للمعرفة والخبرة وفتقت فى ذهنى اسئلة الهوية فى بعدها الانسانى العميق، وانسانيتى تتمرحل الآن فى سعيها الجريح نحو {هوية انسانية} نمهد لها بفتح جرحاتنا التاريخية وان نفتح قلوبنا لجيل جديد له القدرة ليستمع ولينتقد، فماذا حين تدمع عيون شابة صغيرة متضامنة بمحبة خالصة لا يخفيها نبض القلب.
أدون هذه التجارب للاجيال الجديدة، لفتح أفق جديد ينتزعنا من التفكير بذاتية الى روح العمل والعقل الجمعى المتضامن الذى يصدح لنهر الحياة ولحقنا فى ان نعيشها وان نستمتع بمصادرها كشركاء مصير.تجارب كان منبعها الحب المتمثل فى الايمان بالفكرة والحرص عليها ، تطويرها وفك حروفها على ارض الواقع لتثمرهناك أفكار صغيرة، مثل زغب معرض لاهواء الدنيا وتسلطها، كنبته يمكن ان ندوس عليها فى سعينا المحموم للتكديس والتسلط ونفى الآخر، ولكنها تفج لها مكانا، بالاصرار والعزيمة بملح المحبة الذى يطعم حياتنا ويفرهدها.
مشاريع بدأت كحلم سكننى منذ زمن بعيد، ان استفيد قدر الامكان من تواجدى فى هذا البلد، ان يكون الصمود هو الركيزة الوحيدة التى يبنيها الحب وكلما تهب ريح {العوارض} ترسخ الفكرة فى قلبى واعلن راية التحدى، الراية التى حملتها منذ ان أعلنت صرختى للعالم فى تلك البقعة المنسية فى تقسيمات عالمنا الداخلى والخارجى...
تجارب حولتنى من امرأة تتنفس الهواء من رئة السياسة الى أخرى تتنفس السياسة من رئة الحب. لم يكن الهدف التمويل المادى لترميم المدراس، بناء مراكز او توصيل المياه الى بلد يجرى فيها اكبر نهر فى العالم، مانحتاجه بجانب ذلك ترميم النفوس التى خربتها سياسة عدم التخطيط، سياسة افقرت الفقراء واشبعتهم غبنا، لابد من مصحابة الترميم او بناء مراكز اجتماعية الى برامج وعى يشارك فيها المعنين بالامر، يقولون قولهم ويحفرون عميقا فى تربة وجودنا.
هذه البرامج صاحبها ايضا محاضرات وورش عمل وندوات متكررة عن ضرورة التضامن الانسانى وعن امكانية فتح أبواب التعاون على مصرعيها وان نكسر معا بوابة المركزية الاوربية التى تعتبر اوربا هى المعيار الذى يقاس به تطور العالم.
حوارات مفتوحة ودون خوف... انها الحرية... نعمة حرمنا منها ومازلنا نجابد فى مجاديفها الرهينه لاهواء ساستنا الغارغين فى الانشاء، لكم تمنيت ان يحولوها الى{ نشا} الى ذرة وماء، الى دواء ومحبة لشعبهم. ولنا ان نتمسك بايماننا بان فى داخل كل منا مساحة ضىء نازعة للفعل الجميل، لابد ان يأتى يوما ونربط اقوالنا بافعالنا وان نسأم قليلا من { النقة} ونبدأ الفعل والعمل، حركة الوعى والتغيير متلازمان فى حركة تحول الكون. ستتأرجح هذه التجارب مابين الانجاز و الفشل، بين الامل والاحباط وفى دوران هذه المشاعر المتناقضة يكمن السر الدافق ذلك الذى ينتمى لطمى الفكرة، لغرسها، لرعايتنا لها... فحين يتحقق بعض ماصبونا له نحس ان العالم رتب بعضا من ضجيجه فى داخلنا وبان حالة سكون النفس ورضاها تلبستنا كجلباب غاندى. نحس حينها ان ثمة شعاع يشق كهوف حياتنا وإن نبتة القلب تفتح أوردتها لماء الحياة التى منحنا لها بشر قدموا لنا اكثر بكثير مما قدمنا لهم... الحب... الحب الغير مشروط... فى قلوب اولئك البسطاء... اولئك الصغار ... انشودة غدنا المنتظر.

فانوس لرندا حاتم

اقولها لك ياصديقة الهم الانسانى... لاتتردى فى غرس بزرتك فى اى ارض طيبة، اغرسيها حيث دفق نبضك... انظرى ملء قلبك حيث تشرق بسمة صادقة، نحن أحوج مانكون لها... أسعى لان تأخذ أفكارك اطارها المؤسسى فهذا يعلمنا الكثير، ان نستفيد من خبراتنا، نمارس اختلافنا، قد تعلو أصواتنا ولكن تأكدى طالما الفكرة واضحة والايمان بها عميقا وراسخا فلن تنهار... سيكون طعم الحياة مختلف، حينها نحس باننا بشر... لنا قلوب تنبض انهارها بحلم الغابات الكثيفة المدى... ان تعثرت الخطوات فهذا لايعنى النهاية فالفرسة قد تكبو ولكنها تظل تصهل باحلامها.... كونى فرسة... فالمدى أمامك ولن يلجمك الا حب البسطاء.

هناك تعليق واحد:

nadus2000 يقول...

أشراقة
وأي اشراق لا يأتي من تالاك
نحتاج ان نتيقنه...وبلا شك أن سحب الشك تغمله، حتى يقشعه اليقين.

نشتاقك وليلى وشوشو وأخوانها..
أعرف أن تعبيري عن اعتزازنا بكي يعتوره الكثير، وأول ما يعتوره عجز أدوات التعبير عنه، وان ملكنا أواني تنضح بمعزتكم.

عبدالجليل عبدالحليم
الدوحة-قطر