السبت، ٩ يونيو ٢٠٠٧

بكائيات ..... تاريخ...... وحكايات



الى صديقات ذلك الزمن... رفيقات الدروب
من اقتسمن معى ملح الانسانية... والنضال... والمحبة
واليك ياصديقتى ام وائل.....ماتبقى من نبض وخفقان!!

من الصعب الكتابة عن زمن {مشربك} فى الدم والروح ومن الاقسى ان ينفك أسر الذاكرة والقلب لاكتب عنا.... عنك.... عن ذلك التاريخ وتلك الحكايات ومابقى الآن غير بكائيات العمر، نمسح دموعه المدرارا ونتبع اثر خطانا القديمة علها تنبه فينا بعض فرح {مدسوس} فى مكان بعيد لم تطاله يد الزمن الغول...
كيف أكتب عن تلك السنوات ياصديقتى الجميلة والدنيا ربيع انتفاضة، فى ذلك العام والشارع يفوح بعبق الانتصار لارادة الناس الطيبين وشجر النيل وينحاز للون التراب، فى ذلك العام من 1985 كان لقائنا الذى مرّ عليه الآن أكثر من عشرين عاما.... يأأأأأأأه... أتحسس الآن سنوات عمرنا، وهى تنسرب كالرمل، تندلق فى تاريخ بعيد تصيبة بمزيد من الظمأ.
كثيرا تم تحريضى ان اكتب عن تلك التجربة فى الجامعة الاسلامية بكلية البنات حتى لاتندثر، فقد كانت تجربة حقيقية عشناها بكل ايجابياتها وسلبياتها وحافزنا كان التغيير، وماكنت أحس بانى استطيع ان اكتبها رغم انها صاحية فى قلبى كنار حارقة وتهفو فى أيامى بكل ذكرياتنا ويوم أتانى صوتك، صوتك الذى لم تغييره السنين بذات نبرته الحنينة وذات ضحكتك وكأنى الآن التقيك بدار اتحاد الجامعة الاسلامية بعد ساعة.. ياصديقتى النضرة القلب، صوتك الذى صحانى ذات مساء زقزقت له روحى وجاءتنى عفاف، تلك الامورة الوديعة النبيهة الذكية... كيف فعلت بها الدنيا.. وابتسام الرقيقة، نسمة بحر ابيض علها تلوح الآن وتضحك حتى تدمع عينيها الرسولة... وخالدة صديقتنا المرتبة، ذات الاهداف المحددة ونحن نخط الف باء الدراسة الجامعية وهى تهفو ليوم زفافها.
كل تلك الايام تهفو كورق أخضر فى قلبى وتعيدنى لانضر ايام العمر وبدايات ترسيخ وعينا والحياة التى كان لونها زاهيا. كانت علاقتنا مميزة بكل مافيها من احلام وشقى واوهام شجية. كانت صداقتنا تتشابك مع صديقات مشتركات تربطهن هموم واحدة بدء من حلم التغيير داخل كلية البنات مرورا بحكايات الشجن الدافىء الذى يهطل بعد عودتنا من دار الاتحاد... نحكى عن الندوة وانطباعتنا واقتراحاتنا. يسطع الآن عم حمد بوجهه النبى و{صحوبيتنا لاعمامنا سواقين البصات}، ضحكنا يومها كثيرا واقتراحى لهم حين شكوا الحال المائل بان يضربوا عن العمل، وكيف لاينجح الاقتراح والعصيان المدنى اسقط اشرس مايو.. ومن يوم طباعة البيان وتوزيعه على الصحف ونيلهم لمزيد من الحقوق والتى ساهم فيها ذاك الشاب الموظف فى الادراة والذى طالته يد الصالح العام من اول شهرمن انقلاب يونيو 1989. ومن يومها توطدت العلاقة.. علاقة الاباء ببناتهم {المشاكسات} ولايمكن اغفال دور بعض الاساتذة الوطنيين اذكر على سبيل المثال استاذ بشير صالح واستاذ فضيلى جماع وغيرهم ولازلت اذكر مواقفهم التى سندتنا ضد زمهرير الاقصاء والكبت السياسى ، ولم يبخلوا علينا بالرؤية والحكمة.
انفجرت بالضحك مع {صاحبة زمن سمح} وحكينا عن رغبتنا المجنونة تلك لتنظيم الخالات عاملات النظافة فى نقابة لتحسين اوضاعهن.. هذه الافكار التى تسميها خالدة { افكار ناس مانصيحين} جعلت استاذ اللغة الانجليزية، استاذ زهير الذى ايد فكرة فصول محو أمية وشطحنا بالفكرة حينها لتشجيعهن لتكوين نقابة. كانت بنا طاقة خلاقة ونازعة للفعل فى كل اشكاله الايجابية، طاقة لصناعة نحل الفرح و {عسل الداخليةَ_ حنان ناصر} تعلن تمردها الذى لايقل عن تمرد سامية التى لاتفرط فى {جيهتها واناقتها} وهن يعلننها داوية { ماعاوزين لينا امام فى الداخلية بنصحى برانا نصلى الصبح}. اشتاق اليها هذه الحنان، ضحكتها الفارعة وجمالها الآخاذ وبحة صوتها وحكاياتنا {الدقاقة} حين نبقى فى غرفتهم حتى الخامسة صباحا، ماذا كنا نحكى كل هذا الوقت؟ ماذا كان يشغلنا وقلوبنا فتية وهادرة بالعشق والثورة واحلام التغيير.... يانبوية ويا ايام برى ويالذاك الحمام الذى لايكف عن الهديل حين نأتيك..
كنت ضمن ساكنات تلك الصاله التى نتكدس فيها ونتدفأ بانسانيتنا ولم نعد بحاجة لبطاطين لم تستطيع اغلبنا توفيرها، من يومنا فقراء....وكان استاذ زهير الذى كنا نسميه بالاستاذ الرقيق يدعونا بعض المرات لتناول فنجان قهوة فى مكتبة المنظم بعناية فائقة ويحكى لنا متأثرا عن الغنم التى لاتجد ماتأكله وانه بالضرورة تكوين جمعية للرفق بالغنم حتى لاتأكل الورق المتسخ والمتناثر فى الشارع ونضحك حين نقول له { يا استاذ كلنا كان كده غنم ونحتاج لمن يرفق بنا} وينظر لنا متأثرا وهو لايعرف ان {السخينة} التى ادمناها فى انتظارنا حين نعود الى الداخلية.
أحببت اللغة الفرنسية لاجلكن، وكم مرة أرهفت السمع لالتقط بعض الجمل والتى كنت انطقها خطأ وتنفجرن بالضحك
ودكتور عبدالرحمن.. أستاذ اللغة الفرنسية...توطدت علاقتنا به، نزوره احيانا فى مكتبه فى كلية التربية وكنا لاننفك فى مناقشة العديد من المواضيع أهمها تلك التى تعقب افلام المركز الفرنسى التى كنت ادوام معكن لمشاهدتها..
كانت ايام خوالى ياصديقتى....
حكاياتنا القديمة المتجددة
تخرجنا وراحت كل الى سبيلها...
تواصلنا ما استطعنا الى ذلك سبيلا... زرت اسرة هويدا فى آخر زيارة لى الصيف الماضى وتلمست اخبارها... تزوجت من ظل اعواما يحلم بها... صديقنا اللطيف محمد ابراهيم... وهل يمكن ان يأفل نجمه وهو الرصين بالفكرة والمقاوم بتحدى؟ قبل فترة رن جرس التلفون لاسمعه... سنوات مرت الا ان هناك بشر نقابلهم لايمكن نسيانهم، انهم جزء من تاريخنا وهويتنا، حكاياتنا، افراحنا وكل حزننا.. تذكرنا عفيف {ود رفاعة} كما سميناه، احمدابراهيم وعبدالرحيم حامد.. اولئك اللذين رافقتهم ابان رحلة النضال فى تلك البقعة حيث لامكان للخوف فينا وفينا مافينا من هدير، هدير يتناسب وعمرنا ذاك {عمر الزهور عمر المنا}.
وفى الثورة حيث كانت تترواح اقامتى حين زيارتى للسودان طلبت من { صاحب الامجاد الذى تاه فى ظلم امة الامجاد} ان يقف بى على تلك الداخلية.. لم تكن {رايحة لى بكية} حين علقن المرافقات... البقالة تلك فى مكانها، تذكرت البائع وكيف كنا نشترى منه الطماطم والبصل ودرجة الحرارة خمسين ومافى اليد حيلة، كنت اتمنى ان القاه وان {يبحت} فى {خرتويت} احلامه حين ترك ريفه ونزع للمدينة فابتلعته وابتعلت احلامه الصغيره، تلك النوتة المهترئة التى كان يسجل فيها {ديوننا} حين تكون {العين بصيره واليد قصيرة} سألت عنه وكأنى سألت عن أهل الكهف فقد ذهب مثلنا الى اين لا ادرى...
نظرت من على البعد تلك الصالة الكبيرة التى حوت عشرة سراير ، كنا فى نهاية السنة الاولى.. نتهامس ليلا والى وقت متأخر، كنت حينها ياصديقتى تعشقين... بل ستتزوجين... كيف وانت لم تكملى الدراسة... وبخجل... {والله انتى لو اتونستى معاه حاتعرفى ... وحاتشجعينى اطير ليهو طير}... نضحك.. سامية تطنطن وتنبهنا ان الساعة الآن قاربت الثانية صباحا... سامية بت الدويم اللذيذة.... كانت تعشق ايضا حينها ولكن {قلبها ميت} بترش فيه {موية} قبل ان تخلد الى النوم.... ربما وزعت نار أشواقها فيك.... فى نبوية تاريخ او عوضية بت كسلا.... كثيرا كنا لاننصاع لها وهى تأمرنا بان ننام... كيف ننام وانتى تلامسين قوز قزح اترسم فى قلبك وتفرهدين مثل شجر الجوافة فى بيوت اثرياء مدينة النيل.... بيت زميلنا أحمد {النظيف}... ياترى هل انتبهت صديقتنا تلك الى هفهفة شجر الجوافه والشوق فى نضارة خضرتها.
أشتاق الآن جدا لايمان أحمد دفع الله التى صار لها شأن وحققت احلامها بالعمل فى التلفزيون وكلما اراها وانا فى غربتى تملأنى تلك الايام... من يومها تملك الموهبة... ومن زمانها حديدية الارادة. كلما ارى ابتسامتها تضىء ليل ذاك الجهاز المسمى زورا وبهتانا بالقومى... أحس بان الحياة يمكن ترتييبها على نحو أفضل... اتذكرها وصورة {عمو غريب} شباب العباسية اصحاب الدكان جوار دار الاتحاد...اصدقاء حنان الدامر وبنات غرفتها {الانيقات} واللآتى مدن لنا ولى على وجه الخصوص حبل الوصال لهؤلاء الشباب الرائعين اللذين مابخلوا يوما بتشجيعهم لنا بالرأى وانتخابات الروابط على الابواب والتى غالبا ماكنا {نكسحهها}.. رابطة نيلنا الابيض ود الريس {وسفته التاريخية} وصديقتنا التى كنا نتهمها {بالحنكشة} تشترط التصويت للريس فقط فى حالة {التخلص من السفة} اثناء الاجتماعات... ونضحك {انتى مالك ومال سفتو... } كان العمل فى الروابط له طعم مختلف عما الفناه من الفصل التعسفى الذى مارسته الادارة
حينها... دار الاتحاد مقسم... جزء للبنات وآخر للاولاد، وعند المدخل {غلبها... اى الادراة} ان تمنع طارق الجزولى حمدنا اللة، الخالدين ومحمد عبدالوهاب من {الخلط المؤسس، المؤدلج والمسيس} حتى ذلك {الكوز الوجيه} الذى كنت اشاغبه وهو فى حالات {خلطه} الدائم بقولى { خلاص الانتخابات قربت}، كان لطيفا رغم حدتنا حين يصبح فرز {الكيمان} ضرورة حتمية. لم تستطيع الادارة ان تمنعنا من الجلوس فى الجانب الخلفى { كل الناس اتنين... أتنين} الا دحدوح واليكو اصدقائى المهمومين بكتابة الجريدة الحائطية وتعليقها اليوم قبل شمس{ بكرة تطلع} وهذا يعنى اعباء اضافية ومنعى من متعة {الونسة والضحك}... أذهب معهما الى ذاك البيت الانيق فى حى الامراء... وياله من بيت.. كنت أفضل ان اخط {المانشيتات} قبل تناول الوجبة الدسمة بعد ايام من الوجبات الفقيرة .. أتذكرين قصة {ود انصار السنة} الذى {يبارينا} لكتابة التقارير وكشف نشاط {الجبهة الديمقراطية} حينها الا ان كان يوما وامام دار الاتحاد والحياة تدب فييا وحميد سيقرأ أشعاره ويلهبنا حماسا... حين {مسكتو من يدو وقلت ليهو اياك تبارينا تانى... المسكين لم يستطيع التخلص من يدى الحرام الا بعد لأى وجهد} والحضور ينفجر بالضحك.. و{شباب الرهد} عبدالرحمن عبدالقادر
الذى صار محاميا له شأن والذى ظل {يكابس فى البلد الظالم حكامها} وطارق منوفلى {النطيف جدا} يتدخلا ويستنطقه إدورد التزاما بان لايفعل{ ويبارينى كظلى} وقد كان... من يومها اختفى ظله ودونه بقى ظل تلك الايام ممتدا يحيكنا صمود إدورد، لم تمنعه {العكازتين} التى يسند عليها يديه ورجليه ماتعبت من المسير... تواصلنا لفترة ومن ثم انقطع التواصل الا انه بقى فى ذاكرتى امتدداَ لخضرة الحلم {لبلدنا وكلنا اكوان}.
حكايات ياصديقتى وتاريخ ينبغى ان نكتبة قبل أن يندثر، انه ليس تاريخنا فقط وانما تاريخ الحركة الوطنية داخل الجامعة الاسلامية بشقيهيا، بناتها وبنينها... كانت الجامعة قبل ان نخطو عتباتها تضج بثمر النضال الطويل لطالبات لم تلين لهن عزيمة وطلبة هدروا فى مارس- ابريل وساهموا فى اشعال الانتفاضة المكتملة فى حالة الطوفان، كان الدرب ممهدا رغم وعورتها الشائكة، كنت حين احس بالاختناق أذهب الى معهد الموسيقى والمسرح بقصر الشباب والاطفال اذود نفسى بشحنة مقاومة للمواجهات التى لاتنفك تحدث بين الشهقة وزفرتها.. لن أنسى ابدا حين شددت الكلية حصارها علىّ ان لا امارس اى نشاط من اى نوع... خافتنى البنات وخافن من تهمة التصنيف السياسى الا قلة تواصلت معى وكنت انتى ياصديقتى احداهن... ومن كان يعتقد ان شوكة المقاومة تقوى فى ودنوباوى وفى الداخليات وكيف تنظمن الطالبات بمختلف ميولهن السياسية ضد القمع التى مارسته الادارة واتحاد الطالبات حينها الذى فاز به الاتجاه الاسلامى..
لن أنسى نهلة طيب الاسماء، تلك الاتحادية الشرسة، كانت صاحبة جميلة ومرنة وحين فجر الاتحاديات نشاطهن كنت اول من سندهن لانى كنت ومازلت على قناعة ان ذلك يوسع حركتنا الديمقراطية داخل الكلية وفعلنا نفس الشىء مع الحبيبات من حزب الأمة، اذكر نقاشاتنا حينها وإعتراض بعض زميلاتى على شكل علاقتى بهن ورغم ان كنت أعى حينها إ‘نهن سيفرزن كومهن وقت الانتخابات ولن يتحالفن معنا كما يحدث فى الجامعات الأخرى.
حتى الآن تدهشنى شكل تلك العلاقات التى تؤرخ للحركة الطلابية فى الجامعة الاسلامية فى بعدها الانسانى، نهارا تكون القيامة على وشك القيام وصوتى مابح فى {اركان النقاش} قبالتى تقف ايمان الكاملين ... كنت اقول لها {اول مرة اشوف كوزة رقيقة}، كيف استطعنا حينها ان نفصل بين حدتنا نهارا وتوحدنا على {صحن السخينة؟} حين قيلولة شيطان السياسة وهو يخلد الى السكون؟ ومتى هجس رجيمة فى حياتى؟ كيف استطعنا ان نتبادل التحايا والحكايا و{البلوزات} وكيف هطلت دموعنا فى غرفة بنات الشايقية{ ياحلييلن} حين نغادر فى الاجازات وكأننا بكينا حينها فراقنا الابدى؟ هذا هو المشروع الانسانى الذى اعلناه حينها فى برنامجنا اليومى والانتخابى إذن من اين جاءت الاصوات فى الانتخابات الاخيرة التى خضناها ونحن على اعتاب الخروج... لم نكن ندرى انه دخول الى كهف الوطن ولم نعلم بان شارع احلامنا ساتسده دبابة الكآبة وتعكره الاصوات التى شرخت صباحاتنا..
كل هذه الحكايات حاصرتنى وصوتك يصافحنى وهطلت أمطار الشجن، الدروب والصبا؟ مرت اكثر من عشرين عاماَ أكاد لا اصدق... وعوض الله القادم من بلاد بعيدة يغرسك فى فيافى عمره فاذدادت اخضرارا بقامتك يانخلتنا الشاهقة فى عمرنا.. تحمسنا يومها لنلتقيه، قلوبنا الصغيرة تترقب لهفتك المعطونة فى لهفتنا لنتعرف عليه.. انسانا عرفناه.. مثقفا لايشق عليه غبار... يومها لم نكف عن الحكى والضحك والترقب والامل وكأنما مابينكما باركته نسمات الديمقراطية التى نعمنا بها قبل ان تطحننا دبابات الحياة..وتحدد مواعيد زواجكما وأعددنا زينتنا وبهجتنا وكأننا نتزوج معك وسافرنا اربعتنا الى الهلالية لزواجك.. بيتكم الفسيح وقلوب أهلها الممتده بلاحدود، بالفرحة التقيناهم وبالفرحة احتونا، فى غرفة فاح صندلها.. الغرفة التى بدأتى حياتك فيها مع رفيق دربك.. تكدسنا كما نفعل فى الداخلية، لفت انتباهى الاعمال الكاملة لمظفر النواب، امازلت ياعوض الله تحفظها عن ظهر قلب ومحبة؟ قرأ لنا منها ولا زلت اذكر خطاباته لك حين عودته الى {بلاد برة}، تقرينى جزء وتخبىء الباقى ولكن ماقرأيتيه كان كافيا لاطمئن على مسيرتك مع رجل انسان حكت {صلعته} الجميلة تاريخ ثقافته ومواقفه فى زمن اسهل مافيه ان تتغير المواقف دون ان تتمرحل وتتغير وفقا لديانماكيتها. كم اشتاق الآن الى رسائله التى كان يخص كل واحدة منا بها، قصائده التى يرسلها لنا وكنا مثلك نشتاق زيارته حين يأتى من {بلاد برة}، لم نكن ندرى ياصديقتى باننا سنكون جزء حقيقيا من هذه {البرة} البعيدة جدا، الماوراء البحار.. بلاد تستطيع ان تنتزع وريقات العمر المخضرة وتترك ملوحتها على دمنا.
معك أحسسنا طعم الامومة وانتى حبلى بفرحتك الاولى... فكيف مرت هذه الاعوام وانا متشوقة لك وللصغار.. ضحتك هى.. صوتك هو..{ وائل دخل طب السنة دى.... ماشاء الله.. ياربى أحفظه وقر عيون امه وابوه بيهو}.. ضحكنا حتى انصهرت اسلاك التلفون وحكينا عن بقيتنا وحكى عوض الله الذى انتظر كثيرا و {نحنا نرقى} ومرت الساعة سريعا وكأنها دقيقة... دوما تأتون قبل القيامة ودوما تملأون سمائى بالسحب الحنينة ودوما تهطل بالمحنة والطيبة حين قدومكم. انتهت المكالمة وبدأت دودة الذكرى تلك التى لايمكن فصلها من إمعائى.. كنت بحاجة لاسمع أغنية بصوت حنان النيل {أيامنا الزمان ياحليلن} وبكيت {قدر مالله ادانى} وحسيت بعدها بحمامة روحى تحلق بعيدا وتجوب فيافى تلك الايام وكأن ابتسام ستأتى الآن مزهوة بمباركات المحبة، وكأن عفاف ستقرع الباب وتفاجأنى بهديلها وكأنى الآن ارتدى بلوزتى الحمراء تلك لاقيك وانت كما انت فى منتهى الاناقة والانسانية.. من اين لى بك ياصديقتى الوفية.
، تجولت فى غابات الذكرى والتقيتك وحكيت ليك نجاحاتى، انكساراتى وماتبقى من امل ازرعه فى صحراء العمر. ستخضر وماء روحك النقية ترش صحراء الايام التى باعدت بيننا ومازالت حروف عوض الله بعد المكالمة {الزمر لايسقط ياصديقتنا.} ومن قال ياصديقنا الانسان ان الرموز لاتسقط؟ نظرة واحدة على خارطتنا تكفى وحين
حين نلتقى سانزيح ستارة الليل عن الرموز التى تتساقط كالشهب وحينها فقط يمكن ان نحدد مجرى نهرنا الانسانى...

انتهت المكالمة و{ولعت} فوانسينا تلك، صحوت على صوت منال السيد فى بيتهم بالثورة... وكنا الثورة وطلائع عزة وجريدتنا التى سهرنا فيها الليل منال وأنا وعند الرابعة صباحا {أكلنا فول... كلما اكل فولا اتذكر الحاج وراق حين تتلمذت على يديه فى أسلوب الخطابة وهو ينبهنا ان لانأكل فول قبل ركن النقاش} يومها شبعت فولا وحكينا عن توقعاتنا وردة الفعل التى يمكن ان تحدث ونحن نرمى بثمرة باكورتنا {درب الانتفاضة... تصدرها طلائع عزة بكلية البنات} يومها ذكرنى بيوم الانقلابات، {الجو مكهرب، اسلاك المكرفونات فى الكافتيريا تبنىء بخطب جلل} وقد حدث والاصوات تعلو ضدنا.. لا لطلائع عزة... لا لبنات اليسار... ثلاثة اعداد فقط وتناقشنا منال وانا وصديقتنا هويدا,,, من الافضل الاعلان عن هويتنا وان نمارس نشاطنا السياسى علنا والدنيا ديمقراطية وقد كان... لاول مرة فى تاريخ كلية البنات تصدر الجبهة الديمقراطية نشرتها علنا، نشرة مهدن لها طلائع من البنات اللآتى خاضن النار لاجل ان يعلو صوتهن ويالصوتك يامديحة عبدالله وصوت رفيقاتك فى زمن كان نميرى وزمرته يقبضون على {زمارة الهواء}. يومها كانت المواجهة عنيفة والصحيفة الحائطية تم تمزيقها، مزقت مرات ومرات ولم تلين عزيمتنا والتى قويت حين انضمن بعض البنات اللآتى كن يدرسن فى الخارج وتم توزيعهن على الفرع والاسلامية ويومها قويت شوكتنا، كنتى حينها مع رفيقك خارج البلاد ولكن انسانك كان ينبض داخلى.. الانسان الذى فيك ياصديقتى بعض منه ينبض فى قلب تلك البنية من حزب التحرير التى بالكاد نرى وجهها المغطى بالخمار الاسود. لن انسى حين تم هدر دمى مرة قبيل الانتخابات كانت هى من حزرنى ان لا ابيت اليوم فى الداخلية، فى {ركن نقاش} والتهديد والوعيد المباشر والغير مباشر.. كانت تجربة رغم قسوتها الا انها ذادتنا رسوخا فى المضى قدما فى برنامجنا... وخضنا الانتخابات {39} صوتا كانت كافية لاشعال الغضب فى بنات الاتجاه الاسلامى، فحين كنا بعدد اقل كثيرا من اصابع اليد الواحدة.. واعلنت النتيجة وفازت قائمة الاتجاه الاسلامى، 39 صوتا كانت كافية ان تهز طمأنيتهن والهتاف الهستيرى {سقطت.. سقطت ياجبرالله}، مشيرات بذلك لبنات عم جبرالله، آمال وناهد اللآتى ناضلن حينها بصمود {فى زمن النضال الصاح}. هذه التجربة لابد من تدوينها لتبقى للتاريخ وساكتبها يوما كما عشتها بتفاصيلها ولتكن هذه البداية ... ليكتب ولتكتب كل من عاش وعاشت فى تلك الفترة من 1985 الى1989بل من قبل ذلك لاننا ماكنا سوى امتداد للحركة الوطنية داخل الجامعة التى ساهمت بترسيخ أسس العمل السياسى.
هناك وجوه وعلامات مميزة فى الحركة الطلابية التى انصهرت فيها لحد ما حركة الديمقراطين ممثلة فى الجبهة الديمقراطية وحركة الطلاب الناصرين أمازال صديقنا منتصر عبدالماجد مؤمنا بها؟ {الاشقاء} من الاتحادين ومواقفهم الصلبة، تعرفين صلتى الانسانية بهم ولايكمن للذاكرة ان تقفز دون ان تقف فى ركن أساسى لعزالعرب، طارق الجزولى وعبدالرحمن واصدقائهم. كيف يمكن ان تنسى الذاكرة هشام حميدة وحبة للمسرح ومحمدعبدالوهاب الذى صار له شأنا فى مصاف العلماء. كيف يمكن ان ننسى {المنتدى الأدبى} وصوت عزالعرب يشق كهوف الخوف فى تلك الدار، كيف ولجنته التفيذية اضافة لتجربتى الكثير والانسانى، كيف يكمن ان ننسى المسرح والبروفات التى يشرف عليها {هشام حميدة} ، لن أنسى يومها وتمثيلى لذاك الدور فى تلك المسرحية التى مثلها معى كوهين، يومها لم اتمكن من مراجعة النص و {هرج} و {مرج} صديقنا هشام و{حرنا} ان يراعى موهبتنا المزعومة وان {لا يعمل لينا فيها مخرج خطاب حسن أحمد} ولكن الحق يقال لقد كان موهوبا ومبدعا بالفطرة.
لايمكن ان نحكى عن هذه التجربة دون ان يحاصرنى الآن الخاتم عدلان، يحاصرنى برؤيته العميقة واسلوبه السلس فى الحوار، قبيل الانتخابات كان الشرارة التى أشعلتنا ولازالت وجوه البنات المتطلعات للمعرفة والكافتيريا لم تسعنا عددا وفرحة... مات الخاتم ولم استطيع ان ابكية ياصديقتى.. حتى الآن لم أستطيع...وهو من ساهم فى تربيتنا سياسيا، من علمنا الخطابة وأسس العمل التنظيمى ورفع الهامة.. وهل يمكن ان أغفل وجه الحاج وراق ونزار ومامون سيداحمد... هل يمكن ان ننسى نازك القدال إنعام عتيق وجميلة عبدالرحمن؟ وخالد الطيب وكلية التربية؟ هل يمكن ان ننسى عدلان وطارق التقى؟ على سبيل المثال اذكرهم وأذكرهن والقائمة تطول... لوممبا.. اين انت الآن؟ مانديلا وفريق كلية التربية... هل يمكن ان ننساهم فى يوم ندوة الاستاذة فاطمة احمد ابراهيم.. ذلك اليوم الذى هدرن فيه {اخوات نسبية} وكيف لا ولم يبقى فى الكلية فى موقعه.. اشلاك البوليس بودنوباوى عن {بكرة ابيه} فى داخل الكلية... وحين اشتد {الحمى والوطيس} والهتاف المضاد فى محاولة لتعطيل الندوة،كانت المرة الاولى التى ارى فيها {السيخ} علنا فى كلية البنات. كنت يومها ادير الندوة وفى لحظة كاد ان يذوب فيها الخيط الواهن بين الصمود والخضوع خوفا من الهجمة الشرسة وخوفا من يطال الاستاذه فاطمة أذى، مازلت اسأل نفسى كيف فكرت هكذا وهى اشد باسا؟ قلتها كتابة وردت على بالميكرفون ببسطاتها تلك { يابنات هى لمن سيخكن... انا من هنا ماطالعة وكلامى بقولوا} وضج المكان بالتصفيق والهتاف ويالجمال {ناس الاشلاك}.
اشتدّ عودنا وفرهد و{عينا قوت}.. مرة ابوعركى ومرة حميد... النهر يهدر ولن نتراجع...
مرت تلك الايام ياصديقتى بعضها عشتيه وبعضها لم تكونى موجودة وهانذى استدعى الذاكرة، ذاكرتى وذاكرة ذلك التاريخ البعيد الذى لا يمكن ان يندثر. فى السنة الاخيرة فى الكلية وثمة حزن يخيم على المكان... انتهت الامتحانات يوم 29 يونيو 1989 ورغم النتيجة المتوقعة للتخرج بدرجة الشرف التى حصلت عليها ايضا منال الا ان كابوس جثم يومها على صدرى... كنت يومها على موعد مع {خالتى مريم الانصارية} أمنا التى عرفناها صلدة وقوية والدة صديقاتى ليلى ، بدور، مها وسوسن وصديقنا عفيف عوض الكريم عرفنا الاسرة عن طريقه وتوطدت صلتى بها. أذكر يومها كان خطاب الميزانية الشهير الذى قدمه نقد، لم تكن بى رغبة لاسمعه وماكنت قبل ذلك اليوم افعل.. كنت حريصة فى متابعتى للجلسات البرلمانية واكثر حرصا لاسمع ارائة وحجته المنطقية. سألتنى ليلى بعد ان لاحظت التوتر النفسى الذى كنت فيه.. قلت لها أحس بالانقباض، شىء ما يلوح فى الافق، شىء كريه... لم نواصل فى النقاش، حاولنا الاستماع لصوت محمدالامين فى حفلة زواج جيرانهم.. كنت اشتاق ان انوم عميقا بعد أ سابيع من الامتحانات النهائية ولكن كانت تلك الليلة كابوس جاسم على صدرى حتى اللحظة.. صحوت مفزوعة بعد حلم هو الكابوس بعينه.. رأيت شوارع الخرطوم مغفرة كصحرا، الاشجار التى على النيل تساقطت اوراقها وفى فروعها التفت ثعابين مبرقطة اللون وكانت الشوارع خالية الا من الدبابات التى انتشرت فى كل الشوارع.. كنت مفزوعة واليقين يملوؤنى بان الموسيقى العسكرية ستصك قلوبنا بعد ساعات.. كنت عطشى ولكنى لم استطيع الحركة، حلم اشبة بالتراجيديا، ناولتنى ليلى اللطيفة كوب ماء وحكيت لها الكابوس وقلت لها بشىء أشبه بالتأكيد {لو عندكم وثائق لموها} ولم استطيع بعدها النوم، انتظرت حتى بانت خيوط آخر صباح وفتحت باب الشارع لارى مايؤكد الحقيقة... الكابوس لم يكن حلما.. حقيقة.. الحفل لم يتفرق لان الطرق المؤدية للخرطوم وبحرى كانت مغلقة.. وبحثنا عن جهاز الرايو.. طنين الموسيقى العسكرية يارب العباد.. يالنا من جيل ويالها من بلد.
من يومها وانكسار ما لازم روحى ولعنة مافارقتنى الى يومنا هذا.
هزة نفسية عنيفة لازمتنى لسنوات من حكم الانقلابين، تغيير كل شىء، مشاورينا، غنانا، احلامنا {وياترى ماذا أصير عندما أغدو كبيرا؟} لاشىء، حلت الصحف، التضيق والاختناق، سلمت مقاليد حياتنا لهم.. ذهبت يومها الى هويدا فى الهجرة ولم أجد غير الوجوم والحزن وكل الانكسار.. سيرا على الاقدام ذهبت الى الداخلية فى مدينة النيل، فرحة ما حسيتها فى عيون {النسيبيات} وشدو فرحتهن بهزيمة المشروع الديمقراطى وكأنى كنت ارى عمنا عبدالمنعم سلمان يكابد ظلم الجلادين فى كوبر وكأنى المح وجه على فضل وكأنى... وكأنى...واشتاق الآن لصوته وتواضعه حين نزورهم فى بيتهم... كلما تذكرت عم عبدالمنعم سلمان احس بان فى انتظارى الهدير.
لماذا الآن ومؤتمر الانتفاضة بمدنى ينتح بنداه فى القلب؟ لماذ الآن والاناشيد التى تلتها ام الحسن مازالت سحابا تمطر
وعم الشريف... ذلك الشرطى المستنير اللذى علمنى مالم نجده فى الكتب، عم الشريف المثقف واسرته الرائعة وتلك المشاوير تحكى وصبرى الشريف يحكى والشوارع والناس ويأأأأأأأأأأأأ بلد

عشرون عاما مرت...
ومرت معها خيول، اشجار وشموع
مرت ياصديقتى.. بقى فيها الكثير الذى ينبغى ان نعيشه
مرت وفيها الكثير الذى يبنغى ان نحكيه
مرت وتغييرت اشياء واشياء
نضج وعى السياسى بعد تجارب عديدة وصرت مهجسة بالهوية الانسانية
ولتكن سانحة لنؤرخ لتجربة الحركة الوطنية فى الجامعة الاسلامية...لنكتبها قبل ان تندثر... تفاصيل ستبقى ملح يطعم الحركة الطلابية فى السودان. الى ذلك الحين دعينى اهمس لك.. كم أحبك.. ها أنتى تعيدنى الى.. الى روحى.. شكرا ياصديقتى الجميلة... ياثويبة عبدالعاطى.. يا ام وائل يا ام قلبى..
شكرا ياصديقنا النبيل عوض الله
إنسانك يفرهد فى دربى ويمنحنى بعض الامان
شكرا وانتما تندهانى فى أبريل
ومعكم انده ذلك التاريخ... لنكتبه الآن!



فيينا الموافق يوم من ايام الشجن الخاص من أبريل 2007

ليست هناك تعليقات: