السبت، ٩ يونيو ٢٠٠٧

أيام القيامة السبعة فى السودان


المثل القائل {حزنانة وواعية} ينطبق على حالتى، فحين زرت السودان فى الاسبوع المنصرم وبقيت فيه فقط لمدة اسبوع كنت فى قمة حزنى، ذلك الحزن الذى لايماثلة الا عظمة الأم اذ الزيارة تعلقت بمرض أمى المفاجىء ومع ذلك فقد تحركت بوصلة التفكيك والتمحيص التى لاتهدأ فى عقلى، تمنيت كثيرا ان تصيب هذا الوعى جلطة التلبد والاستكانة حتى ارتاح ولكن لانى شقية فوعى بالاشياء يتقد مرات حد الانفجار.
حين بدأت الطائرة فى الهبوط بدأت الاضواء الخافتة تلوح من بعيد، كلما ارى هذه الاضواء أحس بان {الجمرة الخبيثة} مخنوقة من {زمارتها} وفى عدد ثوانى يمكن ان {تفطس}.
عندما بدأت الطائرة تفارق ارض فيينا وتصعد رويدا رويدا للسماء كنت اراقب الخضرة الكاسية المدينة، خضرة تشرق القلب بفرح غريب، كل مرة اتمنى ان تكسى هذه الخضرة {بلدنا} هناك، الطائرة تهبط وخضرة المدينة التى فارقتها قبل ساعات تنزاح قليلا قليلا لتهيئنى لقفل هذا الباب لادخل من بوابة بلد البترول اللذى حول السودان بين يوم ليلة الى دولة {ثرية}. العمارات تستطيل وتقل تلك الحيشان الحنينة، لا خضرة تبهر، حتى شجر النيم نائم نومة أهل الكهف. لعنت أبليس وحادثت نفسى {خلاص بدينا نبيشة الحال}.
دخلت الى صالة الوافدين وأشار لى الضابط الى صف الاجانب وقفت هناك وقلبى يقرصنى لشىء فى نفس تاريخى
{ سبحان ربى، انا المن كوستى، ذلك الحى الفقران فقر السنين بقيت أجنبية، أجانب هنا وهناك ايضا أجانب} غير مهم فالنفس احيانا ايضا تصبح غريبة عنى.
أثناء الانتظار كنت اتسآل لماذا لايبتسمون؟ لماذا هذا العبوس؟ اسئلة فى منتهى الغباء، وحاولت ابحث عن المبررات المقنعة، ربما الحياة القاسية سلبت ضمن من سلبتهم راحة البال والابتسامة، ربما الشمس الحارقة والجرى واللهث وراء المعايش الجبارة {كشطت} من وجوههم {الطيبانة} الفتها وسماحتها. السلام {يقلبوه فى تلتلة} والروح {تناهد من صبيحة الرحمن}.
فى طريقى الى المستشفى حيث ترقد أمى لاحظت امتداد المبانى، تغيرت كثير من ملامح المدينة، عمارات تنهض بلامقدمات ومساحات تتقلص خصما على الغطاء النباتى والتوازن البيئى، على جنبات الشوارع اوراق وبقايا طعام بائس لم تجد فيه الكلاب ضالتها والغنم تعبث بالاوراق فى محاولة لاكلها والثروة الحيوانية فى {كف عفريت} منذ ان استطال ذلك البرج الشاهق فى حديقة الحيوانات التى كانت ملاذا لاطفالنا وللعشاق فى زمن بعيد، مات الفيل والعشاق هجروا الديار والاطفال يحلمون {بعفراء} التى تلكف الاسرة الفقيرة مرتب شهر كامل. رغم انى كنت فى اغسطس الماضى فى السودان الا ان الاشياء هناك تتغير بسرعة خرافية، شىء واحد لم يتغير هو الفقر.
أمام المستشفى جلسن نساء منهكات تبدو آثار الحزن مرسومة على جبينهن يبعن الشاى، الزلابية والقهوة
سرقت بعضة سويعات لاحادثهن و {نتشايل} مع بعض الهموم، حكت لى سكينة بانها كانت تعمل فى احدى المستشفيات الخاصة وبالاصح المخصخصة، كان مرتبها فقط 120.000 الف جنية واضطرت مرة للغياب لملازمة ابنتها التى انجبت طفلها الاول قيصريا، تم خصم الثلاثة أيام من مرتبها وحين اضطرت ان تغيب للمرة الثانية تم فصلها ولم يكن هناك بد من المجازفة ببيع الشاى والقهوة. تيقنت ان الفقراء يجب ان يموتون وهذا موضوع آخر اعد خيول قلمى لتركض على فضائه.
سكينة لم تتضايق من اسئلتى وسألتنى عن حالى وعيالى وحكيت لها ماجاد به القلب حين يعرف ناسه. كانت كل صباح تعد لى قهوتى {المزبوطة} وترفض ان تأخذ حقها، فقيرة وذات نفس كريمة.
وعدتها بزيارة فى يوم ما فى بيتها فى اطراف المدينة حيث الفقر والظلام المحكم ليست لهم مقدرة لبيع {الجمرة الخبيثة/الكهرباء} ودموعهم المتحجرة فى مآقى امانيهم البسيطة تضىء لياليهم وتفضح دولة البترول.
سكينةحكت احتياجها ل {موبايل ماركة نوكيا} ولم استطيع أن اسالها عن ضرورة ذلك وكنت احمل جهازا يقوم بدوره فى تواصلى مع العالم وحين رأته قالت لى {ده اسمه حشرة حشرتين موديل انتهى}. حسيت بانها تنوى ان تسألنى ان كنت فعلا اعيش فى فيينا ولكنها صمتت. ليس هناك من لايحمل او لاتحمل {جوالا} ولاتصمت ولا لحظة واحدة، الرنين والكلام الهامس وتقلصات الوجوه بين الانفراجة و {الصرة}، والنغمات المختلفة بدء من سودانى بريدو، ليه بنهرب من مصيرنا، الشجن، سنتر الخرطوم الخ... يستخدمه السائق وسرعته تحرق بنزين العمر دون مراعاة لارواح المواطنين، بعضهم مشغول ايضا بالرد على مكالمة او اللعب، تذكرت طفولتنا و{الاتارى} التى لايعرفها الا اطفال الاثرياء، اذن انها حالة تعويض لحرمان الطفولة.
اصريت مرة ان اتحرك بالمواصلات العادية، الكمسارى ذو العشرة اعوام يستلم اجرة الرحلة بيد وبالاخرى يتحدث فى تلفونه، اكثر من سبعة فى المركبة يتحدثون وبصوت عالى جدا لان المرجح ان الصوت غير مسموع فى الجانب الآخر.
الشابة التى جلست جوارها {زهجانة} للحد الذى {انصرت فيه اخلاقى وروحى معاها} كدت ان اقول لها { ياختى فكيها شوية} خفت من {شيل الحال} حيث حدث مرة فى احدى زياراتى ان ترحلت بحافلة وحين سألت الكمسارى عن سعر التذكرة وقبل ان يجيب ردت امرأة ستينة العمر ومشلخة {مطارق} وصوتها {تريان بشيل الحال} واصبت بالصمت المبين وهى تقول بعلو صوتها { مسخرة والله، شوف بالله فلهمة بنات الزمن ده مالك بتسألى من سعر المواصلات ماتراك سودانية وديامية كمان، مش انتى ركبتى من محطة الشدرات} رديتى فى سرى { عشان برد ليك، ويحلنى الله الليلة}، وتناول الحديث رجل مسن وانحاز لصفى حين قال { ياولية الزولة دى اظنها عايشة برة وبتجى اجازات ماتظلميها} و{لفحت } الحديث أخرى {تراها دمها رايق}. لا ادرى الى متى استمر النقاش حول سؤالى ولكنى غادرت الحافلة دون ان اعرف السعر الحقيقى للتذكرة.
تذكرت هذه الحكاية والشابة تنوى ان ترمى قشر التسالى الذى أكلتة بشهية من يأكل وجبة فراخ او لحم ضان، رمته من النافذة، هكذا ببساطة، كدت ان اقول لها ان حماية البيئة ايضا مسئولية الافراد، فكرت اكثر من مرة قبل ان ادخل معها فى حوار حزر قلت لها ان مافعلتة {يؤذى المشاعر} نظرت لى ولسان حالها يقول {بالله لفى كده، مشاعر شنو كمان} فوجئت بها وهى تصقعنى بكلمتين انجليزتين من نوع {الايشن} وردها كان ان {البروتكشن} للبيئة لاتؤثر عليه قشرات التسالى التى رمتها بالشباك دون أن تنتبه ان {حباية} واحدة تضل طريقها الى عين راكب آخر كافية الى تصيب بالاذى.
العولمة وسياسة الانفتاح، فى الشارع العام وفى ساعات قيلولة الاوجاع والاحزان البشرية يتراص اطفال فى اعمار تتراوح بين الثامنة والعاشرة يبيعون اى شىء بدء من مناديل الورق، المفارم، المفارش ذات النقشات الصينية، المقصات، الساعات، الكباباى، ملحاحون لدرجة يمكن ان تغيير كل الانظمة الفاسدة ان وجدوا التوجيه المعارض المؤسس.
اكثر ما احزننى بنت صغيرة لايتجاوز عمرها اربعة عشرة عاما، نحيفة كفروع الشجر العطشان، ملابسها مهترئية
تحمل لفة فيها مولودا غضا عمره لايتجاوز بضعة اشهر، كان ذلك امام احدى المطاعم التى تتراص ومنتشرة فى كل مكان، مطاعم شامية، صينية، مخابز تركية، المانية .... الخ.
استفزنى لدرجة البكاء طفولتها الضائعة، قال مرافقى {دى مافيا بتاعة شحادين} وهذا التبرير كان اشد قسوة ، ليته صمت فقد كان ظنى الأول ارحم كثيرا رغم قسوته. كانت برفقتها طفلة أخرى تحمل جهاز راديو وتعبث به وقد نجحت فى ان يعلو صوت {هنا ام درمان جمهورية السودان {اللانسانية} أكملت الجملة خطواتها التائهة.
ترحلت ايضا مرة بحافلة بشارع العمارات وفى لمحة بصر {نطت} عربة بوكس {الترتوار} وانحرفت الى الشارع الموازى، دخلت فى عربة التى دخلت بدورها فى شجرة، خلت نفسى للحظة أشاهد فى فلم {كابوى}. دهشت حين مال سائق الحافلة على جانب الشارع ومد رأسه ليرى ماحدث ونتيجة للجموع التى اتت من كل صوب اوقف العربة ونزل ونزل معه بعض الركاب وشابة ثلاثنية تقول {ده شمار مابتفوت}، كنت مهتمة بان اسمع صفارة عربة النجدة والاسعاف ونتيجة {للشمارات} وتراص عشرات العربات لذات السبب اضطرينا الانتظار ساعة كاملة لحين وجدنا مخرجا وحتى ذلك الحين لم تأتى النجدة ولا الاسعاف رغم ان هناك طفلة مصابة اصابة خطرة وتنزف بغزارة قالت محدثتى، تيقنت ان أرخص مافى السودان هم فقرائه.
من زمن بعيد خطيت مخطوطة عن { أكاديميات ومجتمع} باعتبارى انتمى لهذه الشريحة، بعد زيارتى الأخيرة للسودان قررت ان أنفض عنها غبار التكاسل واواصل فيها الحفر، كنت مؤمنة واصبحت اليوم أكثر ايمانا بالفرضية التى مفادها ان الفجوة بين الاكاديمين/ت والمجتمع عميقة جدا، شهادات نحملها وبعضنا {يتفلقص} ويبنى له موطنا من العاج يفصله عن مجتمعه، فماقيمة العلم والشهادات ان لم توظف لخدمة الانسان وبالطريقة التى تلامس وجدانه. تذكرت كل ذلك وطبيبة يبدو انها خريجة جديدة لانها صغيرة السن، كنت لتوى افتح باب الغرفة التى ترقد فى أمى ووجدتها تحادث بنت خالتى و {تحشر} كلمات ومصطلحات انجليزية فى حديثها حول التغذية التى تعطى لامى عن طريق جهاز مركب فى أنفها، سمعتها تقول لها عن كيفية استخدام { الفيتينق}، امتلكنى الغيظ اذ ان بنت خالتى لاتعرف عن اللغة الانجليزية شئيا ولم استطيع الصمت هذه المرة، قلت لها {الفيتينق ده اسمه بالسودانى الاكل} نظرت لى نظرة لاتخلو من غيظ ايضا ولم تستطيع ان تبرر ووجدت ضآلتى فى الحوار معها وهى {مخلوعة من بجاحتى} كيف وهى {الدكتوره}، اثناء حديثى معها جاءنا زائرا وحيانى بلقبى الأكاديمى {اوه دكتورة حمد الله على السلامة متين الجية} فجأة جادت الشابة بالكلام { انت طبيبة؟} قلت لها {لا انا بى اتش دى هولدر} وذادت دهشتها حين عرفت ان دراستى انجزتها فى علوم {النقة} اى فى الصحافة والعلوم السياسية وكلاهما لا يؤتى ثماره فى بلد مازالت تصادر فيه الكلمة و {هواء الله}.
يبدو ان البنية الدكتوره سردت لزملائها وزميلاتها بانى {دكتورة} وتغيير التعامل من بعضهم وبعضهن فاصبحت التحية لطيفة لا لشىء الا لورقه اكاديمية ما فصلتها يوما عن انسانيتى ولاجلها انجزتها، لم استطيع بالطبع التعامل بعدها لانى احب ان يعاملنى الآخرين لاجل انسانى، قالت صديقتى { يازولة البلد بقت بريستيج}. ربما تناست ان {بريستيجى فى الدنيا دى } هم الفقراء اللذين أنتمى لهم ولقلوبهم الطيبة.
لفت انتباهتى ايضا لون بشرة {البنات} يبدو جليا استخدام الكريمات. فى دكان فى الديم يوجد فيه كل شىء بدء من تركيب العطور، البهارات، الموبايلات ونغماتها المختلفه وفقا لحالة القلب، صبغة الشعر وانتهاء بالكريمات التى تباع بالمعلقة، كل هذه الصفوف تنتظر دورها فى المقسوم من الملاعق وفقا للحالة المادية. قلت لأختى {منو القال اللون الفاتح هو الأحلى؟} فى تلك الاثناء مرت شابة اصابنى لون بشرتها بالفرح، حسيت ان الابنوس الناعم يكسينى. فكرت للحظة ان تسارع الملاحظات بالامكان توسيعها لتصير كل ملاحظة كتابا بذاته.

سألتنى قريبتنا عن {مشاط شعرى ومن التى مشطته لانه يبدو متناسقا على حد قولها} لم اقل لها الحقيقة بانى التى مشطته وانها لو دققت قليلا لاكتشفت الضفائر {المكعوجة} ولكنى ولشىء فى نفسى قلت لها {مشطتنى بت خالتى النيجيرية} فتحت قريبتى فمهما بدهشة وهى تقول {سجمى كمان عندنا عرق؟}، كنت أعرف انها ستقول ذلك خاصة وان بنت الجيران التى دخلت لتوها الجامعة علقت على {الغويشة الجلدية السوداء} التى ارتديتها فى معصمى {انتى جنيتى... شنو حركات الجانقى اللابساه دى؟}. { شيل الحال} والعين التى تفحصك وتشرحك بمشارطها قد طالتنى ايضا، {مالك جاية ضعفانة كدة؟} وقبل ان أجيب {الشيبات الظهرن ديل مالك ماكان تصبغيهن؟} والمدهش ان المشارط تتناولتنى بزوايا مختلفة، قالت جارتنا التى جاءت من كوستى لزيارة أمى { الدور ده صحتك احسن من جيتك الفاتت لكن لونك مالو غمض كده؟ يابتى مسحيهو بديانا كان يلمع شوية} قبل ان افكر فى الرد تأتى الاسئلة متلاحقة { أها عيالك ماشحموا شويه؟ انتى ماتجىء راجعة خلى العيال ديل يعرفو العربى والدين} وهناك نوع من الأسئلة التى تغظينى حد الموت من نوع { ماعملتى ليك دهب؟ مااشتريتى ليك بيت؟}. لامست حلمى بالعودة التى نويتها من أول سنه غربة ومازلت أحلم واحزم كل ليلة {هديماتى} التى طالها ايضا النقد، {حسع دى هدوم تلبسيها؟} المدهش فى الامر انى عدت فقط بلبسة واحدة هى التى كنت البسها فى طريق عودتى لفيينا حيث تم تجريدى من كل اشيائى واحتفظت باصرار { بغويشة الجانقى فى معصمى} والتى علقت عليها شابة التقيتها صدفة ودهشت وهى تقول لى {انتى انيقة والفى يدك دى لو خليتيها لى بيكون كويس؟} وعدتها ان ارسل لها كميات وبالالوان وبالفعل اول شىء فعلته ان اشتريت حتى الآن اثنين بالاسود والبنى وحافزى ان ازيد عدد اللأتى يعدن الى الجزور.
فى حى المعمورة التى أجرنا فيها {شقة} ارضية لامى قبل ان تسفيرها الى القاهرة للعلاج اكتشفت أختى ان الجانب الآخر يسكنه رجال من الوحده الافريقية، سمعت جارتنا هذا الحكى وقالت {عاد اعملن حسابكن يقوموا العبّادة ديل عليكن} كانوا مهذبين جدا وقاموا بتحيتنا كلما وقعت عيونهم علينا وخلق بعضهم علاقة مع أخى الصغير الذى حادثهم بالعربى وحادثوه بالانجليزى ومع ذلك فهموا بعض لان اللغة المشتركة كانت لغة الانسانية. الغريب ان لا احد يمكن ملاحظة ان هؤلاء الوافدين من بلاد افريقية مختلفة يختلفون عن غيرهم من السودانيين. مازال بعضنا يغرق فى الوهم العظيم { بدمنا النقى وعرقنا المحصن} جال فى خاطرى سؤال المصرية التى سألتنا له فى يوم بعيد وكنت برفقة سودانية كانت دائما ماتعلق حين ترى بعض الأفارقه فى احدى شوارع فيينا المرتبة { والله الافارقة ديل بقوا كتار خلاص، كرهونا ذاتو البلد} وكنت ارد وهى تغتاظ منى { انتى قايلاه نفسك مفروزه منهم، تعالى اسألى اى نمساوية او نمساوى ممكن جدا يقول لك انك من مالى ولا الكمرون وبعدين انتى قايله دى الخرطوم؟}. وقبل ان ينفجر غيظها سألتنا مهاجرة مصرية {بتتكلموا عربى كويس فين اتعلمتوا العربى؟} وفجرت مرافقتى غيظها عليها بالرد الذى فجرنى بالضحك { اتعلمناه من افلام محمود يسن وفاتن حمامة} ولم انتبه والضحك {يشرطنى} ان المصرية تعتزر وتقسم بالنيل ابينا وحلايب أمنا.
وأنا فى الطائرة خطيت خطوطى العريضه للنحت فى موضوعين يرتبطان ارتباطا لصيقا ببعضهما {العنصرية} و {نحن والآخر}. تذكرت عفيف اسماعيل الذى هاتفنى قبل سفرى للسودان وهو يحرضنى لكتابة مشاعرى وملاحظاتى وقد ظل يفعل منذ ان فرهد وعى بالاشياء التى حولى وتذكرت تخوفه بانى اذا استمريت فى الكتابة هكذا ساتسبب فى ازمة ورقية، اما ياصديقى والورق صار اليوم ابن العولمة وتبخر فى الفضاء {يعنى كلامى شايلاه الهواء} تماما كااحلام الفقراء.
انتهت الأيام السبعة والقيامة التى قامت منذ ان خلق الله السودان.
حين ودعتنى أختى وانا أسالها ان عن {رقم القيد} وكانت مغتاظة منى { قيد شنو انتى كمان، عندنا قيد واحد، ماتتفلهمى علينا} وكظمت الضحك والغيظ وكان على ان أطوى تجربتى قرابة الخمسة عشر عاما فى بلد يختلف فى كل شىء وان اخرج حياتى من النظام الاجتماعى للنمسا التى كل شىء فيها مرتبا، تذكرت بيتنا فى فيينا الذى تحتفل به بلدية المدينة كل عام باعتباره اول بيوت الدولة التى تم بنائها بعد الحرب العالمية الاولى وظل صامداا مثله مثل بيوت عتيقة بنيت فى القرن السادس عشر، النمسا التى دمرتها الحربين العالمتين وعاث هتلر فيها دمارا نهضت بعزيمة أهلها وبالمهاجرين اللذين بنوها وقبل ذلك بالخطط الواضحة.
أخذت مكانى فى انتظار الزمن المحدد، والدقائق سلحفائية، بعد ساعتين رأيت الصفوف، سألت أحد الموظفين ما اذا كانت احدى الصفوف للطائرة التركية، أشار بيده وهمهم بكلمات لم افهمها جيدا وتبعت اشارة اصبعه، كان فعلا ما توقعت، وقفت فى الصف الى ان جاء دورى وقلت للمسئول ماحسيت بانى يجب ان يقال بانه لم يتم التنبيه بمكبر الصوت كما يحدث دائما فى المطارات الدولية واردفت بانى اقول ذلك حرصا على البلد التى أنجبتنى، نظر الى نظرة لاتخلو من الغيظ وهو يقول {نحنا حريصين وقد تم التنبيه بس انتى ماسمعتى} قبل ان ارد جاء صوت رجل فى سن أبى من خلفى {لا ابدا ماسمعنا لانو ماحصل}، هزيت رأسى وبى مابى من حسرة وامامى كم هائل من السنوات الضوئية لنصل مصاف امانينا بان يكون مطار الخرطوم مثل مطار فرانكفورت ولا فيينا {انشاءالله مطار تركيا ولا الاردن}، حيث اهتمت خاصة الدول الاولى بمواطنيها وموظفيهيا ووفرت لهم سبل الراحة ربما حين يأتى صغارنا بعد عشرات السنين الى بلاد ذويهم للبحث عن الجزور يستقبلون بالابتسامة ويفسحون لهم الطريق ممهدا لبلاد تحترم انسانية مواطنيها. لحين ذلك يبقى الناس { وسواس المحبة الساكنة روحى}.



فييينا فى يوم تقمصتنى فيه الامانى ان ارى الفقراء ينهضون كالطوفان....


ليست هناك تعليقات: